فلما ظهر مذهب الأشاعرة وانتشر، التحم بمذهب الصوفية، ولما أراد الصوفية أن يفرضوا على الأمة دين الحلول ووحدة الوجود والاتحاد، دخلوا من باب الأشاعرة ؛ لأن الجهمية ينكرون الصفات عموماً، والأشعرية أخذوا منهم إنكار صفة عظيمة جداً، وهي علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، فلما قالت الأشاعرة: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، بل هو في كل مكان، ورسخوا هذه العقيدة، ونشروها في الآفاق، جاء الصوفية وقالوا: نضيف درجة واحدة فقط فبدلاً من أن نقول: هو في كل مكان، نقول: هو عين الموجودات؛ فـ الأشاعرة يقولون: إنه في كل مكان، أي أنه في الأرض، وفي السماء، وفي البحر، وفي الجبل، وفي الشجر، وفي كل مكان، فجاء أولئك فقالوا: هو عين هذه الموجودات، فأدخلوا عقيدة الحلول ووحدة الوجود من باب الأشعرية، فتقاربت الطائفتان، حتى أصبح كثير من الناس -كما في تراجم بعضهم- يقال عنهم: فلان بن فلان المالكي أو الشافعي مذهباً، الأشعري عقيدة، الشاذلي أو القادري أو التيجاني طريقة، وأصبحت المسألة ثلاثية: الفقه والأحكام الشرعية من إمام، والعقيدة من شخص ثانٍ، والطريقة من شخص ثالث، فحق عليهم أنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وقد برَّأ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان كذلك، فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ))[الأنعام:159].
وفي هذه الأزمان غلب على الأمة التصوف المخلوط بـالأشعرية، والتشيع المخلوط بالاعتزال، ويوجد أهل السنة، كما يوجد امتداد للفرق التي أشرنا إليها، كـالباطنية والتي هي غلو في التشيع، وكذلك غلو في التصوف.
فأصبحت الأمة -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- كحال أهل الكتاب في تفرقهم، وفي اختلافهم.